المؤلف:ف. سكوت فيتزجرالد
نبذة عن الكتاب
ولد فرانسيس سكوت فيتزجرالد Francis Scott Fitzgerald في سانت بول بولاية مينسوتا في 24 سبتمبر 1896 لأب كان يعمل بائعاً جوالاً، وينتسب من جانب أمه إلى عائلتي سكوتس وكيز اللذين كانا قد هاجرا إلى الولايات المتحدة في مستهل القرن السابع عشر، وأم اسمها ماري مكويلان Mary McQuillan، ابنة مهاجر من أيرلندا، كان يشتغل بتجارة المواد التموينية بالجملة كسب منها ثروة طائلة قبل أن يتوفى وهو في سن الرابعة والأربعين.
وعندما كان عمره عامين انتقلت أسرته أولاً إلى مدينة بفالو Buffalo ثم إلى سيراكوز Syracuse للعيش بها، ثم عادت ثانية إلى سانت بول في عام 1908، حيث دأبت الأسرة على التنقل تقريباً كل عام من منزل إلى منزل.
ورث سكوت فيتزجرالد من أبويه، خاصة أمه، احترام وتبجيل الطبقة المتوسطة، والخوف من الإخفاق في تبوء المكانة الاجتماعية اللائقة، وتحقيق الغنى والثراء، وهو الخوف الذي ظل يطارده بإلحاح لا مزيد عليه طيلة حياته.
لحق فيتزجرالد بأكاديمية سانت بول حيث برهن على أنه رياضي شديد الحماس في ممارسة لعبة كرة القدم الأمريكية وإن لم يحقق النجاح المأمول، وطالب يجيد فن الخطابة والجدال، كما ظهرت موهبته الباكرة في كتابة القصص والمسرحيات. بيد أنه تعثر في دراسته مما اضطرت معه أسرته إلى نقله، بعون مادي من عمته، إلى مدرسة داخلية هي "أكاديمية نيومان" التي كانت تقع بالقرب من مدينة نيويورك، حيث تمكن من إنهاء دراسته الثانوية بنجاح واللحاق بجامعة برينستون في عام 1913. شغل معظم الطلبة أثناء الشتاء والربيع في عامي 1916-1917 بتتبع أخبار الحرب في أوروبا، وما أن أعلنت الولايات المتحدة الحرب على ألمانيا حتى شرع الطلبة في الرحيل إلى الجبهة في فرنسا. قرر فيتزجرالد أن يحذو حذوهم، فغادر الجامعة إلى "فورت لفنوورث" Fort Leavenworth في كنساس ليؤدي الخدمة العسكرية ملازمًا ثانيًا في كتيبة المشاة في نوفمبر 1917. وفي مستهل عام 1919 انتهت فترة تجنيده دون أن يحقق طموحاته في الذهاب إلى الجبهة للقتال. ثم عمل بوكالة إعلانات في نيويورك وقد بلغ منه الإصرار منتهاه على أن يكسب من النقود ما يكفي نفقات الزواج من زلدا Zelda، تلك الفتاة الرقيقة الجميلة التي لا تهتم إلا بالمال، التي قابلها في حفل راقص للضباط أثناء إقامته في معسكر تايلور بولاية كنتاكي في عام 1918.
ولكنها فسخت خطبتها له في عام 1919، فعاد فيتزجرالد إلى بيت والديه في مينسوتا. وما أن درّت عليه رواياته أرباحًا طائلة حتى عادت إليه وتزوجت منه، وأنجبت له طفلة. وقد استوحى من هذه التجربة التيمة الرئيسية التي تدور حولها جميع أعماله ورواياته.
ففي حوار دار بين الراوي [نيك كاراواي] وجاتسبي يقول الراوي وهو يصف ديزي: "إني ألمس دومًا في صوتها نبرة تشي بمشاعرها وعواطفها الحقيقية... صوت يرن في الآذان رنيناً عجيبًا... صوت ملؤه.. ثم صمتُ متردداً مزدردًا بقية كلامي. فأتمّ جاتسبي ما عجزت عن إتمامه قائلاً: صوت ملؤه المال.
هذه هي الحقيقة التي غابت عن ذهني حتى تلك اللحظة، فصوتها يمتلئ بالمال. ذاك كان مبعث الفتنة التي لا ينضب لها معين في شتى درجات صوتها المنغومة وأنغامه السماوية، كأنما هو البطانة الموسيقية، أو الدُّف الذي يرعش باعثاً شخشخته الراقصة المتقطع بالنقر الرشيق.. ابنة الملك، الفتاة الذهبية، تلوح كطيف في سُكر الكرّى وهي تسري في حجرات قصرها الفخيم المطلي باللون الأبيض".
اشتهر فيتزجرالد وذاع صيته في عام 1920 عندما نشر أولى رواياته
وعنوانها "هذا الجانب من الفردوس" "This Side of Paradise"، تبعها برواية
"الوسيمان والملعونان" (1922) The Beautiful and Damned" ومسرحية "الخضر" (1923) "The vegetable" التي لم تلق نجاحاً، ورواية "جاتسبي العظيم" (1925) "The Great Gatsby"، ورواية عذوبة الليل ورقته (1934) "Tender Is The Night"، ورواية "آخر الحيتان من رجال الأعمال" (1941) "The Last Tycoon"، التي نشرت بعد وفاته في عام 1940 قبل أن يتمّها. كما جُمعت مئة وستون قصة قصيرة خطها يراعه ونشرت في أربعة مجلدات تحمل العنوانات التالية:
"شابات متأنقات متحذلقات وفيلسوفات (1921)" "Flappers and Philosophers"
"قصص من عصر موسيقى الجاز" (1922)" "Tales of The Jazz Age"
"جميع الشبان الصغار المحزونين" (1929) "All the Sad Young Men"
"نقرات لدى تعالي صوت النفير ليوقظ الجنود" (1935) "Taps at Reveille"
توفي فيتزجرالد في هوليوود، كاليفورنيا في عام 1940 إثر أزمة قلبية حادة.
--------------------------------------------------
رمز الضوء الأخر والحلم الأمريكي:
عندما رتب الراوي نيك كاراوي، ابن عم ديزي، للقاء في بيته – بطلب من جاتسبي - يجمع بين جاتسبي وديزي، اصطحبهما جاتسبي إلى بيته حيث وقف ثلاثتهم وراء زجاج النافذة يرسلون الطرف إلى سطح مياه الخليج، تصطفق أمواجه في خفة وعذوبة. قال لها جاتسبي: "لولا الضباب لكان في مقدورنا أن نرى بيتك القائم في الضفة الأخرى للخليج. ثمة مصباح مثبت في طرف مرفأ بيتك يرسل ضوءًا أخضر دومًا طيلة الليل". هذا الضوء الأخضر يمثل آماله في تحقيق المجد والثراء كي يستحوذ على قلب ديزي. والآن وقد تحقق حلمه، يجد موجة افتتانه بها بعد أن علت لحد الجنون، تتكسر عن الزبد ثم تسلم الروح، ليرقد في حضن الملالة والفتور مثل ساعة حائط قد أصابها العطب بعد أن اشتط صاحبها في ملئها. تبدد المغزى الهائل لهذا الضوء لحد التلاشي إلى الأبد، "إذ كان هذا الضوء يبدو، قياسًا إلى المسافة الهائلة التي كانت تفصل بينه وبين ديزي، قريبًا منها، يوشك أن يلتصق بها. كان يبدو قريبًا منها قُرب النجم من القمر، كما يتراءى للناظر إلى أديم السماء في الليل، أما الآن فلم يعد يرى فيه سوى مصباح كهربائي مثبت في طرف مرفأ للقوارب يشع ضوءًا أخضر". يعلق الراوي قائلاً: لابد أن كان هناك لحظات شهدتها فترة ما بعد الظهيرة من ذلك اليوم أخفقت فيها ديزي في أن ترتفع إلى مستوى أحلامه وآماله، ليس بسبب خطأ وقعت فيه، ولكن بسبب إغراقه في الخيالات والأوهام، حتى تخيلها بعين عاشق صَبّ قد شَفّه الوجد، ملاكًا يمشي على الأرض، حتى نزلت من نفسه منزلة الملائكة في نفوس العابدين".
إن جاتسبي يجسد الحلم الأمريكي بالقوة والثراء والإيمان بأن الحياة عندما تخلو من آمال تداعب النفوس تنقلب جحيمًا لا يُطاق. فحياة الأمريكيين على ثرائهم الفاحش تخلو من سعادة حقيقية بسب إغراقهم في المتع الحسية وهجرانهم الخيال والمُثل العليا. يصف الراوي إحساس جاتسبي باليأس وخيبة الأمل في نهاية الرواية وهو ينتظر مكالمة هاتفية من ديزي قائلاً: أظن أن جاتسبي نفسه لم يكن يعتقد أن أحدًا سوف يطلبه بالتليفون، ولعله لم يكن يبالي هذا الأمر.
إن كان هذا صحيحًا، فلعله كان يساوره شعور أليم بأنه قد فقد إلى الأبد بهاء العالم القديم وما كان يشعه من إحساس بالطمأنينة والدفء.. لابد أنه مد الطرف نحو السماء خلال الغصون وهو مستلق على ظهره فوق الحشية وهي تسبح ببطء فوق سطح الماء، فطالع في صفحتها نظرة غريبة موغلة في آي البعد والغرابة، وسرت في أعصابه رجفة من الذعر والهلع عندما رأى الوردة اليانعة فوق الغصن النضير وقد انقلبت مسخًا مزريًا... بزغ عالم جديد، عالم مادي دون أن يكون حقيقيًا، يسبح في ظلامه الدامس أشباح بائسة تنفث أنفاسًا مخمورة كالأحلام وهي تسري في ترنح بين اللذة والألم دون هدف، يجرفها تيار الحوادث معه هنا وهناك في جريانه الدائم الذي لا ينقطع..".
هذا الضوء الأخضر أو الحلم النقي العذب يذكرنا بأحلام البحارة الهولنديين عندما وقعت أبصارهم أول مرة على هذه الأرض البكر التي راحت أشجارها تهمس واعدة في إغراء كاسح بمسرات حسية تعجز عن وصفها الكلمات، فحبسوا أنفاسهم للحظة عابرة مفعمة سحرًا في حضرة هذه القارة الجديدة، وهم يدفعون دفعًا إلى تأمل باطني جمالي لم يفقهوا مغزاه أو يرغبوا فيه، وجهًا لوجه لآخر مرة في التاريخ مع شيء يتناسب مع مقدرة الإنسان على العجب والإعجاب لحد الافتتان والتي لاتزال تسمع نغماتها الجميلة تهيم أحيانًا رغم تقصف جميع الأوتار التي عزفتها، والتي كلما حاولنا أن نستحضرها في أذهاننا ونسلط على صورها بصيصًا من نور الذاكرة ولت هاربة فابتلعتها الظلمة. ولكن هذا لن يثبط من عزيمتنا وإصرارنا على الإمساك بها، فغداً سوف تضاعف من سرعة عدونا وراءها ونحن نمد أذرعنا أمامنا لمسافة أطول... وذات صباح يوم عذب أشرقت شمسه وصفت سماؤه وطاب هواؤه... وهكذا نروح نجدف بسواعدنا القوية ونحن نستقل قوارب تشق لنفسها طريقاً في الماء عكس التيار، لتعود بنا دومًا ودون انقطاع إلى أحضان الماضي الدافئة".
0 مراجعة